كشف حقائق الغيب -المشهد الأول (من كتاب الإسراء معجزة خالدة)
كشف حقائق الغيب
والغيب هو ما غاب عن الحس فلم يدركه بنفسه، وما غاب عن العقل فلم يعلمه بفكره، وما غاب عن القلب فلم يشهده. ونذكر من هذه الحقائق شيئًا على سبيل استحضار هذا الغيب على نحو ما أخبرنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، ليكون نوراً لنا نهتدي به في حياتنا، وعلماً ننتفع به في سلوكنا، ويقيناً نزداد به قرباً من ربِّنا. ومن هذه الغيوب والمشاهد ما يأتي:
المشــهد الأول
(أنه صلى الله عليه وسلم رأى الدنيا في صورة عجوز شوهاء، قد تنكس خلقها، ووهن عظمها، وابيض شعرها، وذبل جسمها، وانحنى ظهرها، وصار منظرها كئيباً ينفر منها كل من رآها. وبالجملة كانت في صورة بشعة، وهيئة مخزية، وكانت على جانب الطريق الذي مرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت تنادي رسول الله فلم يجبها، فقال له جبريل: هذه هي الدنيا، وأنه لم يبق من عمرها إلا كما بقي من عمر تلك العجوز).
والعبرة من هذا المشهد: أن الدنيا في حقيقتها مثل هذه العجوز، لا ينبغي لعاقل أن يحفل بها، أو يتلهى بزينتها وزخارفها عن الله ورسوله، وعن الدار الآخرة، وإن الذين ينشغلون بها ويحبونها كمن يحب هذه العجوز الشمطاء التي لا رجاء فيها، ولا خير من وراءها، وقد جاء في الحكمة: (الدنيا دار من لا دار له، يجمعها من لا عقل له، يؤثرها على الآخرة من لا دين له).
وأحبُّ أن تسأل عن الدنيا ما هي؟
هي الأمور الدنيئة والحظوظ الخبيثة، والشهوات الماجنة والأمور المستقبحة، والمنكرات والفواحش، والتعدي والمظالم، والطيش والسفه، والطمع والحسد، والحقد والشحناء، والبخل والبغضاء، والكبر والعجب، والفخر والرياء، والمعاصي والمخالفات، وكل ما حرَّمه الله ورسوله مما يشين المؤمن في نظر الدين الحنيف ويجعله عرضة لسخط الله وعقابه.
ولا يظن أحد أن الدنيا هي العمل والكدح والسعي في طلب الحلال منها، وفي عمارتها والارتقاء بوسائل المعيشة فيها، والتقدم والابتكار، واستخراج كنوز الأرض، واستمطار خيرات السماء!! كلا، فإن ذلك مما أمر الله به، وحثَّ عليـه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصَّى به الشرع الشريف.
هذا، ومن ناحية أخرى: فإن ذلك المشهد للعلم واليقين بأن عمر الدنيا قد قرب من الانتهاء، وأن رسول الله قد بُعث في آخر عهد الدنيا، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر رسول يشرِّف هذه الأرض ويعيش فيها، وأن عمر الدنيا قد انقضت معظم مراحله ولم يبق منه سوى وقت قصير جداً، يبينه لنا ما قد بقي من عمر هذه المرأة العجوز التي مرَّ ذكرها، قال الله تعالى:
﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾
(آية 1 من سورة القمر)
وقال صلى الله عليه وسلم:
{بعثت والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى}
(رواه البخاري ومسلم)
(رواه البخاري ومسلم)
**************************************
من كتاب:(الإسراء معجزة خالدة)
لفضيلة الشيخ محمد علي سلامة