بسم الله الرحمن الرحيم
ورثة النور منهم من يرث الرؤيا الصادقة ومنهم من يرث الفراسة {اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ}[1]
لا ينظر بهاتين العينين فقط وإنما ينظر بنور الله الذي آتاه الله له ميراثاً من رسول الله صلي الله عليه وسلم ومنهم من يرث علوم المكاشفة والمكاشفة لا بد لها من نور منهم من يُكاشف بما في مملكته ومنهم من يُكاشف بما في صدور غيره ومنهم من يُكاشف بالمعاني العلية التي استودعها الله القرآن ولا يبيحها إلا لأهل الخصوصية ويقول فيها في كتابه {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}هود17
أي الذي على بينة ويتلو القرآن وهو مشاهد لأسرار القرآن هل يستوي مع الذي يتلو ولا يشاهد إلا حروف القرآن؟ فهذا ميراث النور الإلهي الذي اختص به حضرة النبي أعطاه الله للورثة الذين ورثوا حضرة النبي صلي الله عليه وسلم
ومنهم من يُكاشفه الله بعالم الملكوت ومنهم من يُكاشفه الله بالأسماء والصفات الربانية ومنهم من يُكاشفه الله بحضرات ذاته العلية ومنهم من يُكاشفه الله بألواح الأقدار ومنهم من يكاشفه الله بخزائن الأسرار مكاشفات لا عدَّ لها ولا حدَّ لها تحتاج إلى النور
غُضَّ عين الحس واشهد بالضمير
تشهدن يا صـــبُّ أنــــوار القدير
إذا لم تنشغل بالمناظر الكونية فإن عين البصيرة تُمتعك بالمناظر الملكوتية أو المناظر الجبروتية أو المناظر النبوية أو المناظر الإلهية لأنك ستصبح من أهل الخصوصية
كيف يصل الإنسان إلى ذلك؟ من يرث الإنسان من ميراث الدنيا؟ ابنه لأنه شبيهه فقد ورد في الأثر واشتهر وقيل حديث وليس بحديث {الولد سرُّ أبيه}
وكذلك من يتشبه بالحبيب في أخلاقه وفى سمته وفي هديه وفي إقباله على ربه وفي ذكره لربه وفي مشيه بشرع الله وفي شغله بأمور الخلق لأنه يريد أن يأخذهم إلى مراد الله وإلى درجات الجنة التي أعدها الله لو عاش الإنسان في هذا الحال لا بد أن يكون له ميراث
لكن كيف يأخذ الإنسان ميراث من غير مشابهة؟ لا يكون ذلك أبداً فميراث رسول الله لمن أحسن التشبه ظاهراً وباطنا برسول الله صلي الله عليه وسلم والأساس التشبه بالباطن لكن لو تشبهت به في الظاهر فأطلقت اللحية واستخدمت السواك ولبست العمة وقصرت الثوب وأنا فظ غليظ في معاملة المؤمنين
هل كان على هذه الشاكلة حضرة النبي؟ لا، وقد أتهم المؤمنين الذين لا يستنون بهدي ولا يمشون على نهجي بالكفر والتشريك ومن أين لي هذا؟ هل أباح لي الله أن أحكم بين الأنام وأدَّعي أن هذا مشرك وهذا كافر {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} يوسف67
وهل يستطيع مؤمن كامل الإيمان في الدنيا أن يحكم لنفسه بأن يتوفاه الله على الإيمان؟ إذا كان أنبياء الله أهل العصمة كان يقول الواحد منهم {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يوسف101
هذا نبي يتمنى أن يموت مسلماً ويلحق بالصالحين لأن الخاتمة لا يعلمها إلا العليم فلذا إذا كنت لا أضمن لنفسي حسن الخاتمة فكيف أحكم على غيري وأدَّعى أن هذا مشرك وأن هذا كافر وأن هذا ضال وأن هذا مبتدع وأنا لا أعلم من أمر نفسي قليلاً ولا كثيراً؟
بل إن ما أتباهى به بين الخلق من الأعمال قد آتي يوم القيامة وأجده غير مقبول من الواحد المتعال فكلنا نعمل الأعمال لكن من يضمن منا القبول على أي عمل منها؟ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} المؤمنون60
السيدة عائشة سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت {أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ}[2]
ماذا كان يفعل أصحاب رسول الله في الليل؟ {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{18} الذاريات17
كانوا لا ينامون إلا قليلاً من الليل ثم يستغفرون الله ويقولون لا تؤاخذنا بالحضور من يستطيع منا أن يحضر في صلاة كاملة من بدءها إلى ختامها؟ إذا كان الله لا يقبل هذه الأعمال بعيوبها فلن يتقبل عملاً من أحد ولذلك كان الإمام أبو العزائم رضي الله عنه يقول (والله لو حاسبتنا على أرجى عمل عملناه بعدلك لهلكنا جميعاً)
لأنه لو حاسبنا بالعدل فأين الحضور؟ وأين الخشوع؟ وأين عدم الغفلة؟ وأين الإخلاص؟ أمور كثيرة لا نقدر عليها ولكننا نطمع أن ندخل في قول الله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ} الأحقاف16
يأمر الله بأن تقبل أعمالهم بما فيها من عيوب ويلتمس في سيئاتهم الأعذار ولا تعتبر أنها أوزار إذن إذا كنت لا أضمن نفسي أين أنا وإلى أين أذهب فكيف أحكم على غيري؟ وأتهم غيري وأشتط وأشتد وأتعامل مع غيري بفظاظة وغلظة ربما تجعله ييأس من رحمة الله
المؤمن دائماً يُرَجِّي إخوانه في رحمة الله ولا يوئسهم أو يُقنطهم من عفو الله في أي أمر من الأمور وهذه علامة الورثة
فالذي يرث رسول الله هو الذي يمشى على هذا المنهاج الذي يفتح أبواب الأمل للخلق والذي يفتح لهم أبواب الفضل والرجاء والذي يجعلهم لا ييأسون من رحمة الله ولا يقنطون من الإقبال على الله مع ارتكاب الذنوب لماذا؟ لأننا نريد أن نشدهم من يد الشيطان ونحولهم إلى حضرة الرحمن
[1] سنن الترمذي والطبراني عن أبي سعيد الخدري
[2] سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمدمنقول من كتاب(شراب اهل الوصل)للشيخ فوزى ابو زيد