شهادات علماء الأمة للتصوف
لشهادات عن التصوف لبعض أكابر علماء الأمة، ورجال الفكر والدعوة منذ الصدر الأول إِلى يومنا هذا.
ولا أراك محتاجاً إِلى هذه الشهادات، بعد أن عرفت جوهر التصوف وتبين لك أنه روح الإِسلام، وأحد أركان الدين الثلاثة: الإِسلام والإِيمان والإِحسان.
ولكن هناك بعض النفوس قد عميت عن رؤية النور، وتجاهلت حقائق الإِسلام، وحكمت على الصوفية من خلال أعمال بعض المنحرفين والمبتدعين من أدعياء التصوف دون تبيُّنٍ ولا تمحيص، فإِلى هؤلاء وإِلى كل جاهل بحقيقة التصوف نسوق هذه الأقوال ؛ كي يدركوا أثر التصوف وضرورته لإِحياء القلوب، وتهذيب النفوس، وكي يطلعوا على ثمرات التصوف ونتائجه في انتشار الإِسلام في مختلف الديار وشتى الأمصار.
1ـ الإِمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
وقد مر بك في بحث بين الشريعة والحقيقة الكلام المفصل عن الإِمام الأكبر أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، وكيف أنه كان يعطي الشريعة والطريقة، وأنه كان فارس هذا الميدان، كما ذكر العلامة ابن عابدين في حاشيته المشهورة [أبو حنيفة أحد الأئمة الأربعة، أشهر من أن يعرف، توفي في بغداد سنة 150هـ. انظر (395ـ 396) من هذا الكتاب].
2ـ الإِمام مالك رحمه الله تعالى:
يقول الإِمام مالك رحمه الله تعالى: (مَنْ تفقَّهَ ولم يتصوف فقد تفسق، ومَنْ تصوَّف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمعَ بينهما فقد تحقَّق) [حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإِمام الزرقاني على متن العزية في الفقه المالكي ج3. ص195. وشرح عين العلم وزين الحلم للإِمام ملا علي القاري المتوفى 1014هـ. ج1. ص33. والإِمام مالك رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي سنة 179هـ في المدينة المنورة].
3ـ الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى:
قال الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى [الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي في مصر سنة 204هـ]: (صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات:
قولهم: الوقت سيف إِن لم تقطعه قطعك.
وقولهم: نفسَك إِن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
وقولهم: العدم عصمة) [تأييد الحقيقة العلية للإِمام جلال الدين السيوطي ص15].
وقال أيضاً: (حُبِّبَ إِليَّ من دنياكم ثلاث: تركُ التكلف، وعِشرةُ الخلق بالتلطُّف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) ["كشف الخفاء ومزيل الإِلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" للإِمام العجلوني المتوفى سنة 1162هـ. ج1. ص341].
4ـ الإِمام أحمد رحمه الله تعالى:
كان الإِمام أحمد رحمه الله تعالى [الإِمام أحمد رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي سنة 241هـ] قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: (يا ولدي عليك بالحديث، وإِياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإِنهم ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه. فلمَّا صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فِإِنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة) ["تنوير القلوب" ص405 للعلامة الشيخ أمين الكردي المتوفى سنة 1332هـ].
ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إِبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم أقواماً أفضل منهم. قيل: إِنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة..) ["غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" ج1. ص120].
5ـ الإِمام المحاسبي رحمه الله تعالى:
ويقول الإِمام المحاسبي رحمه الله تعالى، متحدثاً عن جهاده المرير للوصول إِلى الحق حتى اهتدى إِلى التصوف ورجاله، وهو من أروع ما كتب في وصف الحياة الصوفية والخلقية والإِيمانية: (أما بعد، فقد انتهى البيان إِلى أن هذه الأمة تفترق على بضع وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والله أعلم بسائرها ؛ فلم أزل برهة من عمري، أنظر اختلاف الأمة، وألتمس المنهاج الواضح والسبيل القاصد، وأطلب من العلم والعمل، وأستدل على طريق الآخرة بإِرشاد العلماء، وعقلت كثيراً من كلام الله عز وجل بتأويل الفقهاء، وتدبرت أحوال الأمة، ونظرت في مذاهبها وأقاويلها، فعقلت من ذلك ما قدّر لي، ورأيت اختلافهم بحراً عميقاً، غرق فيه ناس كثير، وسلم منه عصابة قليلة، ورأيت كل صنف منهم، يزعم أن النجاة لمن تبعهم، وأن المهالك لمن خالفهم، ثم رأيت الناس أصنافاً:
فمنهم العالم بأمر الآخرة، لقاؤه عسير، ووجوده عزيز.
ومنهم الجاهل، فالبعد عنه غنيمة.
ومنهم المتشبه بالعلماء، مشغوف بدنياه، مؤثر لها.
ومنهم حامل علم، منسوب إِلى الدين، ملتمس بعلمه التعظيم والعلو، ينال بالدين من عرض الدنيا.
ومنهم حامل علم، لا يعلم تأويل ما حمل.
ومنهم متشبه بالنُّسَّاك، متحرٌّ للخير، لا غناء عنده، ولا نفاذ لعلمه [إِلى قلوب السامعين]، ولا معتمَد على رأيه.
ومنهم منسوب إِلى العقل والدهاء، مفقود الورع والتقى.
ومنهم متوادُّون، على الهوى وافِقون، وللدنيا يذِلون، ورياستَها يطلبون.
ومنهم شياطين الإِنس، عن الآخرة يصدون، وعلى الدنيا يتكالبون، وإِلى جمعها يُهرعون، وفي الاستكثار منها يرغبون، فهم في الدنيا أحياء، وفي العُرف موتى، بل العُرف عندهم منكر، والاستواء [بين الحي والميت] معروف.
فتفقدْت في الأصناف نفسي، وضِقتُ بذلك ذرعاً، فقصدت إِلى هدى المهتدين، بطلب السداد والهدى، واسترشدت العلم، وأَعملْت الفكر، وأطلت النظر، فتبيَّن لي من كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإِجماع الأمة، أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد، ويضل عن الحق، ويطيل المكث في العمى.
فبدأتُ بإِسقاط الهوى عن قلبي، ووقفت عند اختلاف الأمة مرتاداً لطلب الفرقة الناجية، حذِراً من الأهواء المُرْدية والفرقة الهالكة، متحرزاً من الاقتحام قبل البيان، وألتمس سبيل النجاة لِمُهْجةِ نفسي.
ثم وجدْتُ باجتماع الأمة في كتاب الله المنزل أن سبيل النجاة في التمسك بتقوى الله وأداء فرائضه، والورع في حلاله وحرامه وجميع حدوده، والإِخلاص لله تعالى بطاعته، والتأسِّي برسوله صلى الله عليه وسلم. فطلبت معرفة الفرائض والسنن عند العلماء في الآثار، فرأيت اجتماعاً واختلافاً، ووجدتُ جميعهم مجتمعين على أن علم الفرائض والسنن عند العلماء بالله وأمره، الفقهاء عن الله العاملين برضوانه الورعين عن محارمه المتأسين برسوله صلى الله عليه وسلم والمؤثرين الآخرة على الدنيا ؛ أُولئك المتمسكون بأمر الله وسنن المرسلين.
فالتمست من بين الأمة هذا الصنف المجتمَعَ عليهم والموصوفين بآثارهم، واقتبست من علمهم، فرأيتهم أقل من القليل، ورأيت علمهم مندرساً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بدأ الإِسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه]، وهم المتفرِّدون بدينهم، فعظمتْ مصيبتي لفقد الأولياء الأتقياء، وخشيتُ بغتة الموت أن يفاجئني على اضطرابٍ من عمري لاختلاف الأمة، فانكمشت في طلب عالم لم أجد لي من معرفته بُدّاً، ولم أقصّر في الاحتياط ولا في النصح. فقيَّضَ لي الرؤوف بعباده قوماً وجدت فيهم دلائل التقوى وأعلام الورع وإِيثار الآخرة على الدنيا، ووجدت إِرشادهم ووصاياهم موافقة لأفاعيل أئمة الهدى، [ووجدتهم] مجتمعين على نصح الأمة، لا يُرَجُّون أبداً في معصيته، ولا يُقَنِّطون أبداً من رحمته، يرضون أبداً بالصبر على البأساء والضراء والرضا بالقضاء والشكر على النعماء، يُحبِّبون الله تعالى إِلى العباد بذكرهمْ أياديه وإِحسانه، ويحثُّون العباد على الإِنابة إِلى الله تعالى، علماء بعظمة الله تعالى، علماء بعظيم قدرته، وعلماء بكتابه وسنته، فقهاء في دينه، علماء بما يحب ويكره، وَرِعين عن البدع والأهواء، تاركين التعمق والإِغلاء، مبغضين للجدال والمراء، متورِّعين عن الاغتياب والظلم مخالفين لأهوائهم، محاسبين لأنفسهم، مالكين لجوارحهم، ورعين في مطاعمهم وملابسهم وجميع أحوالهم، مُجانبين للشبهات، تاركين للشهوات، مجتزئين بالبُلْغة من الأقوات، متقللين من المباح، زاهدين في الحلال، مشفِقين من الحساب، وَجِلين من المعاد، مشغولين بينهم، مُزْرِين على أنفسهم من دون غيرهم، لكل امرىء منهم شأن يغنيه، علماء بأمر الآخرة وأقاويل القيامة وجزيل الثواب وأليم العقاب. ذلك أورثهم الحزن الدائم والهَمَّ المقيم، فشغلوا عن سرور الدنيا ونعيمها. ولقد وصفوا من آداب الدين صفات، وحدُّوا للورع حدوداً ضاق لها صدري، وعلمت أن آداب الدين وصدق الورع بحر لا ينجو من الغرق فيه شبهي، ولا يقوم بحدوده مثلي، فتبين لي فضلهم، واتضح لي نصحهم، وأيقنتُ أنهم العاملون بطريق الآخرة والمتأسون بالمرسلين، والمصابيح لمن استضاء بهم، والهادون لمن استرشد.
فأصبحت راغباً في مذهبهم مقتبساً من فوائدهم قابلاً لآدابهم محباً لطاعتهم، لا أعدل بهم شيئاً، ولا أوثر عليهم أحداً، ففتح الله لي علماً اتضح لي برهانه، وأنار لي فضله، ورجوت النجاة لمن أقرَّ به أو انتحله، وأيقنت بالغوث لمن عمل به، ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه، ورأيت الرَّيْن متراكماً على قلب من جهله وجحده، ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه، ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجباً عليَّ، فاعتقدته في سريرتي، وانطويت عليه بضميري، وجعلته أساس ديني، وبنيت عليه أعمالي، وتقلَّبْت فيه بأحوالي. وسألت الله عز وجل أن يوزِعَني شكرَ ما أنعم به عليَّ، وأن يقويني على القيام بحدود ما عرَّفني به، مع معرفتي بتقصيري في ذلك، وأني لا أدرك شكره أبداً) [كتاب الوصايا ص27ـ32. للإِمام أبي عبد الله الحارث المحاسبي المتوفى 243هـ. وهو من أمهات الكتب الصوفية المعتمدة].
6ـ عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى:
قال الإِمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه الفَرْقُ بين الفِرَقِ: (الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة. اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس:
1ـ صنف منهم أحاطوا علماً بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإِمامة والزعامة..
2ـ والصنف الثاني منهم: أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا في أُصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية وتبرَّؤُا من القدر والاعتزال، وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة، وقالوا بإِمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة، ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرؤا من أهل الأهواء الضالة، ورأَوْا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إِجماع الصحابة، ويدخل في هذه الجماعة أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم.
3ـ والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علماً بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
4ـ والصنف الرابع منهم: قوم أحاطوا علماً بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف، وَجَروْا على سَمْتِ أئمة اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه.
5ـ والصنف الخامس منهم: هم الذين أحاطوا علماً بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذاهب أهل السنة دون تأويلات أهل الأهواء الضالة.
6ـ والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختَبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك مسؤول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدُّوا خير الإِعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقَيْ العبارة والإِشارة على سَمْتِ أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينُهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويضُ إِلى الله تعالى، والتوكلُ عليه والتسليمُ لأمره، والقناعةُ بما رزقوا، والإِعراضُ عن الاعتراض عليه. {ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتِيهِ مَنْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ} [الجمعة: 4].
7ـ والصنف السابع منهم: قوم مرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة، يجاهدون أعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين.
8ـ والصنف الثامن منهم: عامة البلدان التي غلب فيها شعائر أهل السنة، دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة..) [الفَرْقُ بين الفِرَقِ للإِمام عبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429هـ. ص189].
7ـ الإِمام القشيري رحمه الله تعالى:
وقال الإِمام أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته المشهورة متحدثاً عن الصوفية: (جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفَضَّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصَّهم من بين الأمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق. صفَّاهم من كدورات البشرية، ورقَّاهم إِلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية، ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية، فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف، وتحققوا بما مَنَّه سبحانه لهم من التقليب والتصريف، ثم رجعوا إِلى الله سبحانه وتعالى بصدق الافتقار ونعت الانكسار، ولم يتَّكِلوا على ما حصل منهم من الأعمال أو صفا لهم من الأحوال، علماً منهم بأنه جلَّ وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد، لا يحكم عليه خلق، ولا يتوجه عليه لمخلوق حق، ثوابه ابتداء فضل، وعذابه حكم بعدل، وأمره قضاء فصل) [الرسالة القشيرية للإِمام أبي القاسم القشيري المتوفى سنة 465هـ. ص2].
8ـ الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى:
وها هو ذا حجة الإِسلام الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه المنقذ من الضلال عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم الحقة الموصلة إِلى الله تعالى فيقول:
(ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق.. ثم يقول رداً على من أنكر على الصوفية وتهجَّم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقةٍ طهارتُها ـ وهي أول شروطها ـ تطهيرُ القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراقُ القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله) [المنقذ من الضلال لحجة الإِسلام الغزالي المتوفى سنة 505هـ. ص131].
9ـ الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى:
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: (الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر مَنْ حَصَرَ فرق الأمة، لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إِلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضاً: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألاَّ يخلو سرَّهم وبالَهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين) [اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للإِمام فخر الدين الرازي ص72ـ73 توفي سنة 606هـ بمدينة هراة. يقول محرر كتاب اعتقادات فرق المسلمين علي سامي النشار: (وفي أواخر أيامه [فخر الدين الرازي] وقد بلغ أوج كماله العلمي حدث له ما حدث لأبي حامد الغزالي من قبل، فقلَّتْ ثقته بالعقل الإِنساني، وأحسَّ عجزه، وأدرك تماماً أنه لا يستطيع الإِحاطة بالوجود في ذاته، فأدركتْه حالة صوفية كانت تنتابه منها في بعض مجالس وعظه نوباتٌ فيصرخ مستغيثاً.
وعظ يوماً بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري، وحصلت له حال فاستغاث: (يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى).
ونظم أشعاراً تغلب عليها النزعة الصوفية كقوله:
نهايةُ إِقدام العقول عقالُ وأكثرُ سعي العالمينَ ضلالُ
وأرواحُنا في وَحشةٍ من جِسومنا وحاصلُ دنيانا أذى ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طولَ عمرنا سوى أنْ جمعنا فيه قيلَ وقالوا
وكان للإِمام فخر الدين الرازي صلة قوية بالشيخ الأكبر محي الدين بن عربي على أثر إِرسال رسالة جاءته من الشيخ محي الدين بن عربي، بين له فيها قيمة العلوم العرفانية الوهبية وشوَّقَه لها، وهذه الرسالة مطبوعة بالمطبعة السلفية بمصر وتسمى "رسالة شيخ الطريقة محي الدين بن عربي إِلى الإِمام ابن الخطيب الري المعروف بفخر الرازي" نسخها وأبرزها وصححها عبد العزيز الميمني الراجقوتي الأثري المقرىء بالجامعة الإِسلامية في عليكرة بالهند عام 1334 في مجموعة ثلاث رسائل].
10ـ العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى [عز الدين بن عبد السلام يلقب بشيخ العلماء وبسلطان العلماء ولد سنة 577هـ، وتوفي سنة 660هـ. انتهت إِليه الإِمامة، وبلغ منزلة الاجتهاد مع الزهد والورع. ولد بالشام، ووفد مصر فأقام بها أكثر من عشرين عاماً، ناشراً للعلم آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر. وألَّفَ كتباً كثيرة، وأخذ التصوف عن شهاب الدين السهروردي، وسلك على يد الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى، وكان يقول إِذا حضر مجلسه وسمع كلامه: هذا كلام قريب العهد بالله]:
(قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى ، وقعد غيرهم على الرسوم، ومما يدلك على ذلك، ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فإِنه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولو كان العلم من غير عمل، يرضي الحق تعالى كل الرضى، لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولو لم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات) [نور التحقيق للشيخ حامد صقر ص96].
11ـ الإِمام النووي رحمه الله تعالى:
قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته المقاصد: أصول طريق التصوف خمسة:
1ـ تقوى الله في السر والعلانية.
2ـ اتباع السنة في الأقوال والأفعال.
3ـ الإِعراض عن الخلق في الإِقبال والإِدبار.
4ـ الرضى عن الله في القليل والكثير.
5ـ الرجوع إِلى الله في السراء والضراء) [مقاصد الإِمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف ص20 توفي الإِمام النووي سنة 676هـ في قرية من قرى الشام تسمى: نوى].
12ـ ابن تيمية رحمه الله تعالى:
تحدث أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة في الجزء العاشر من مجموع فتاويه فقال: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر [الجيلاني] والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم) [مجموع فتاوى أحمد بن تيمية ج10. ص516ـ517].
13ـ الإِمام الشاطبي رحمه الله تعالى:
ذَكَرتْ "المسلم مجلة العشيرة المحمدية" تحت عنوان: الإِمام الشاطبي [الشاطبي هو إِبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى سنة 790هـ]. صوفي سلفي للسيد أبي النقى أحمد خليل: (كتاب الاعتصام من الكتب التي يعتبرها المُتسلِّفة مرجعاً أساسياً لبعض آرائهم، ويرون في الشيخ أبي إِسحاق الشاطبي إِماماً لهم، وقد عقد الإِمام الشاطبي في كتابه هذا فصولاً كريمة عن التصوف الإِسلامي، وأثبت أنه من صميم الدين، وليس هو مبتدَعاً، ووفَّى المقام هناك بما تخرس له الألسن، وتسلم له العقول والقلوب، فاستمعْ إِلى الإِمام الشاطبي يقول:
إِن كثيراً من الجهال، يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الاتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه، مما يقولون به ويعملون عليه، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به. فأول شيء بَنَوْا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها، حتى زعم مُذكِّرُهُم وحافظ مأخذهم، وعمود نحلتهم أبو القاسم القشيري: إِنهم إِنما اختصوا باسم التصوف انفراداً به عن أهل البدع. فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسَمَّ أفاضلهم في عصرهم باسم عَلَمٍ سوى الصحبة، إِذ لا فضيلةَ فوقها، ثم سمي من يليهم التابعون، ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين: الزهاد والعبَّاد. قال: ثم ظهرت البدع وادَّعى كل فريق أن فيهم زهاداً وعُبَّاداً، فانفرد خواص أهل السنة، المراعون أنفسهم مع الله، والحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف، فتأمل تغنم، والله أعلم) [المسلم مجلة العشيرة المحمدية، عدد ذي القعدة سنة 1373هـ].
14ـ ابن خلدون رحمه الله تعالى:
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم طريقةَ الحق والهداية، وأصلُها العكوفُ على العبادة والانقطاع إِلى الله تعالى، والإِعراضُ عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهدُ فيما يُقبِل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفرادُ عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عامّاً في الصحابة والسلف، فلمَّا فشا الإِقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إِلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) [مقدمة ابن خلدون ص328. وهو عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر محمد بن خلدون الحضرمي ولد عام 732هـ وتوفي سنة 808هـ].
15ـ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:
وقال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى في كتابه معيد النعم ومبيد النقم، تحت عنوان الصوفية: (حَيَّاهمُ الله وبيَّاهم وجمعنا في الجنة نحن وإِياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المُتلبِّسين بها، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حدَّ لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة.. ثم تحدث عن تعاريف التصوف إِلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنَّا بهم) [كتاب معيد النعم ومبيد النقم ص119 للإِمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي المتوفى سنة 771هـ].
16ـ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى:
وقال العلامة المشهور جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه تأييد الحقيقة العليَّة: (إِن التصوف في نفسه علم شريف، وإِن مداره على اتباع السنة وترك البدع ، والتبرِّي من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها، والتسليمِ لله، والرضى به وبقضائه، وطلبِ محبته، واحتقارِ ما سواه.. وعلمتُ أيضاً أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إِلى إِساءة الظن بالجميع، فوجَّه أهلُ العلم للتمييز بين الصنفين ليُعلمَ أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملتُ الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أرَ صوفياً محقِّقَاً يقول بشيء منها، وإِنما يقول بها أهل البدع والغلاةُ الذين ادَّعَوْا أنهم صوفية وليسوا منهم) [تأييد الحقيقة العلية ص57. للعلامة جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ].
17ـ ابن عابدين رحمه الله تعالى:
وتحدَّثَ خاتمة المحققين العلامة الكبير والفقيه الشهير الشيخ محمد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله تعالى في كتابه المسمى مجموعة رسائل ابن عابدين الرسالة السابعة [شفاء العليل وبَلُّ الغليل في حُكْمِ الوصية بالختمات والتهاليل] عن البدع الدخيلة على الدين مما يجري في المآتم والختمات، من قِبل أشخاص تزيَّوْا بزِي العلم، وانتحلوا اسم الصوفية، ثم استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يُظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال: (ولا كلام لنا مع الصُدَّقِ من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة رديَّة، فقد سُئل إِمامُ الطائفتين سيدنا الجنيد: إِن أقواماً يتواجدون ويتمايلون ؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فإِنهم قوم قطَّعت الطريقُ أكبادَهم، ومزَّق النصبُ فؤادَهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إِذا تنفسوا مداواةً لحالهم، ولو ذُقْتَ مذاقهم عذرتهم في صياحهم.. وبمثل ما ذكره الإِمام الجنيد، أجاب العلامة النحرير ابن كمال باشا لما استفتي عن ذلك حيث قال:
ما في التَّواجُدِ إِن حقَّقْتَ من حرجٍ ولا التمايلِ إِن أخلْصَتَ من بَاسِ
فقمتَ تسعى على رِجْلٍ وحُقَّ لِمَنْ دعاه مولاه أن يسعى على الرِّاسِ
الرخصة فيما ذكر من الأوضاع عند الذكر والسماع للعارفين الصارفين أوقاتهم إِلى أحسن الأعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الأحوال، فهم لا يستمعون إِلا من الإِله، ولا يشتاقون إِلاَّ له ؛ إِنْ ذكروه ناحوا، وإِن شكروه باحوا، وإِن وجدوه صاحوا، وإِن شهدوه استراحوا، وإِن سرحوا في حضرات قربه ساحوا. إِذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد إِراداته، فمنهم مَنْ طرقتْه طوارق الهيبة فخرَّ وذاب، ومنهم من برِقتْ له بوارق اللطف فتحرَّك وطاب، ومنهم من طلع عليهم الحِبُّ من مطلع القرب فسكر وغاب. هذا ما عَنَّ لي في الجواب، والله أعلم بالصواب.
وأيضاً فإِن سماعهم ينتج المعارف الإِلهية، والحقائق الربانية، ولا يكون إِلا بوصف الذات العلية والمواعظ الحِكَمِيَّة، والمدايح النبوية.
ولا كلام لنا أيضاً مع من اقتدى بهم، وذاق من مشربهم، ووجد من نفسه الشوق والهيام في ذات الملك العلاَّم، بل كلامنا مع هؤلاء العوام، الفسقة اللئام.. إِلخ) [الرسالة السابعة، شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل ص172ـ173 للفقيه الكبير ابن عابدين ولد سنة 1198 وتوفي 1252هـ وقد ذكرنا سابقاً شيئاً من ترجمته].
18ـ الشيخ محمد عبده رحمه الله تعالى:
ذكرت مجلة المسلم مقالة تحت عنوان رأي الشيخ محمد عبده في التصوف، نقلها عنه المرحوم الشيخ علي محفوظ في رسالة الإِبداع فقال: (قال الشيخ محمد عبده رحمه الله تعالى: قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإِسلام وما حدث فيه من البدع والعادات التي شوهتْ جماله، السببُ في سقوط المسلمين في الجهل، فظنوا أن التصوف من أقوى الأسباب لوقوع المسلمين في الجهل بدينهم وبُعدهم عن التوحيد الخالص الذي هو أُسُّ النجاة، ومدار صحة الأعمال، وليس الأمر كما ظنوا، فنذكر لك الغرض منه على وجه الإِجمال، وما آل إِليه أمره بعد ذلك.
ظهر التصوف في القرون الأولى للإِسلام، فكان له شأن عظيم، وكان المقصود منه في أول الأمر تقويم الأخلاق وتهذيب النفوس، وترويضها بأعمال الدين وجذبها إِليه، وجعله وجداناً لها، وتعريفها بحِكَمه وأسراره بالتدريج. وكان الفقهاء الذين وقفوا عند ظواهر الأحكام المتعلقة بأعمال الجوارح والمعاملات ينكرون عليهم معرفة أسرار الدين، ويرمونهم بالزيغ والإِلحاد، وكانت السلطة للفقهاء لحاجة الأمراء والسلاطين إِليهم، فاضطر الصوفية إِلى إِخفاء أمرهم، ووضْع الرموز والاصطلاحات الخاصة بهم، وعدم قبول أحد معهم إِلا بشروط واختبار طويل، فقالوا: لابد فيمن يحب أن يكون معنا أن يكون أولاً طالباً فمريداً فسالكاً، وبعد السلوك إِما أن يصل وإِما أن ينقطع، فكانوا يختبرون أخلاق الطالب وأطواره زمناً طويلاً، ليعلموا أنه صحيح الإِرادة صادق العزيمة، لا يقصد مجرد الوقوف على أسرارهم، وبعد الثقة يأخذونه بالتدريج شيئاً فشيئاً) [مجلة المسلم ـ العدد السادس ـ غرة المحرم 1378هـ. ص24. ولد الشيخ محمد عبده 1266هـ. وتوفي 1323هـ في مصر].
19ـ الأمير شكيب أرسلان رحمه الله تعالى:
جاء في كتاب حاضر العالم الإِسلامي للأمير شكيب أرسلان رحمه الله تعالى تحت عنوان: نهضة الإِسلام في أفريقيا وأسبابها: (وفي القرن الثامن عشر والتاسع عشر حصلت نهضة جديدة عند أتباع الطريقتين: القادرية والشاذلية، ووُجدت طريقتان، هما: التيجانية والسنوسية.
فالقادرية هم أحمسُ مبشري الدين الإِسلامي في غربي أفريقيا من السنيغال إِلى بنين التي بقرب مصب النيجر. وهم ينشرون الإِسلام بطريقة سلمية بالتجارة والتعليم، وتجد التجار الذين من السونينكة والماندجولة المنتشرين على مدن النيجر وفي بلاد كارتا وماسينة، كلهم من مريدي الطريقة القادرية. ومِنْ مريديهم من يخدمون في مهنة الكتابة والتعليم، ويفتحون كتاتيب ليس في زوايا الطريقة فقط، بل في كل القرى، فيلقِّنون صغار الزنج الدين الإِسلامي أثناء التعليم، ويرسلون النجباء من تلاميذهم على نفقة الزوايا إِلى مدارس طرابلس والقيروان وجامع القرويين بفاس والجامع الأزهر بمصر. فيُخرَّجون من هناك طلبة مجازين، أي أساتذة، ويعودون إِلى تلك البلاد لأجل مقاومة التبشير المسيحي في السودان) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج2. ص396].
وتحدث عن شيخ الطريقة القادرية فقال: (وكان عبد القادر الجيلاني الموجود في جيلان من فارس متصوفاً عظيماً زكي النشأة، وله أتباع لا يُحصى عددهم، ووصلت طريقته إِلى أسبانيا، فلما زالت دولة العرب من غرناطة انتقل مركز الطريقة القادرية إِلى فاس، وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من بين البربر، وتمسكوا بالسنة والجماعة، كما أن هذه الطريقة هي التي في القرن الخامس عشر، اهتدى على يدها زنوج غربي أفريقيا.
وتحدث عن السنوسية فقال: فالسنوسية نشروا طريقتهم في وادي والبافيرمي وبوركو، وتبعوا نهر بينوى إِلى أن بلغوا النيجر الأدنى حيث نجدهم يَهدون تلك القبائل إِلى الإِسلام. وبواسطة السنوسية صارت نواحي بحيرة تشاد هي مركز الإِسلام العام في أواسط أفريقيا، ويُقوَّم عدد مريدي الطريقة السنوسية بأربعة ملايين، وطريقة هؤلاء الجماعة في التبشير هي أن يشتروا الأرقاء صغاراً من السودان، ويربُّوهم في جغبوب وغذامس وغيرها، ثم متى بلغوا أشدَّهم وأكملوا تحصيل العلم أعتقوهم، وسرحوهم إِلى أطراف السودان، يَهدون أبناء جلدتهم الباقين على الفتيشية.
وهكذا يرحل كل سنة مئات من مبشري السنوسية لِبَثِّ دعاية الإِسلام في جميع أفريقيا الداخلية، من سواحل الصومال شرقاً، إِلى سواحل السينغامبية غرباً، ولقد حَذَا سيدي محمد المهدي وأخوه سيدي محمد الشريف حذو والدهما في السعي إِلى الغرض الذي توخاه، ألا وهو تخليص الإِسلام من النفوذ الأجنبي، وإِعادة الإِمامة العامة كما كانت في عصر الخلفاء. وبالإِجمال: فإِن مريدي هذه الطرق هم الذين سعوا في نشر الإِسلام، وَوُفِّقُوا إِليه في أفريقيا) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج2. ص400].
وتحدث عن السنوسية أيضاً بقوله: (وأيُّ دليل أقطع من المبشرين السنوسين الحُمَّس الغُيَّر الذين خرَّجتهم زوايا الصحراء، وهم يُعدُّون بالألوف المؤلَّفةِ، وما انفكوا يجوبون كل بلاد وثنية مبشرين بالوحدانية داعين إِلى الإِسلام. وهذه الأعمال التي قام بها المبشرون المسلمون في غربي أفريقيا وأوسطها خلال القرن التاسع عشر إِلى اليوم لَعجيبةٌ من العجائب الكبرى، وقد اعترف عدد كبير من الغربيين بهذا الأمر، فقد قال أحد الإِنكليز في هذا الصدد منذ عشرين سنة: إِن الإِسلام ليفوز في أواسط أفريقيا فوزاً عظيماً، حيث الوثنية تختفي مِن أمامه اختفاء الظلام من فلق الصباح، وحيث الدعوة النصرانية كأنها خرافة من الخرافات..) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج1. ص301].
وتحدَّثَ عن الطريقة الشاذلية فقال: (وأما الشاذلية فنسبتها إِلى أبي الحسن الشاذلي، أخذ عن عبد السلام بن مشيش، الذي أخذ عن أبي مدين وكانت ولادة أبي مدين في إِشبيلية سنة 1127 ميلادية، وقرأ في فاس، وحجَّ البيت الحرام، ثم استقر يعلم التصوف في بجاية، وتبعه خلقٌ كثير.. وهي من أوليات الطرق التي أدخلت التصوف في المغرب، ومركزها بوبريت في مراكش. وكان من أشياخها سيدي العربي الدرقاوي المتوفى سنة 1823م الذي أوجد عند مريديه حماسة دينية شديدة امتدت إِلى المغرب الأوسط، وكان للدرقاوية دور فعال في مقاومة الفتح الفرنسي) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج1. ص301].
وختم الأمير شكيب أرسلان موضوعه عن نهضة الإِسلام في أفريقيا فقال: (وأكثر أسباب هذه النهضة الأخيرة راجعة إِلى التصوف والاعتقاد بالأولياء) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج1. ص301].
20ـ الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى:
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى: (لقد انفرد الصوفية بركن عظيم من أركان الدين، لا يطاولهم فيه مطاول، وهو التهذيب علماً وتخلقاً وتحققاً، ثم لما دونت العلوم في الملة، كتب شيوخ هذه الطائفة في الأخلاق ومحاسبة النفس..) [مجلة المنار السنة الأولى ص726].
21ـ الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى:
قال الأستاذ والمؤرخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى في كتابه الثقافة الإِسلامية: (فإِذا كان التصوف عبارة عن تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، فنعمَ المذهبُ ونعمَ المقصدُ، وذلك هو الغاية من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ففي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: "إِنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" [رواه البخاري في الأدب المفرد في باب حسن الخلق عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الإِمام أحمد والبيهقي والحاكم في الترجمة النبوية وقال: صحيح على شرط مسلم]. وقد تأملنا سيرة الصوفية في القرون الأولى من الإِسلام، فوجدناها سيرة حسنة جميلة مبنية على مكارم الأخلاق والزهد والورع والعبادة، منطبقة على الكتاب والسنة. وقد صرَّح بذلك سيد هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى كما في ترجمته في تاريخ ابن خَلِّكَانْ حيث قال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة.
وفي شرح الإِحياء للعلامة الزبيدي ج1 ص174: وقال الجنيد: الطرق كلها مسدودة على الخلق، إِلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي في ترجمته في الرسالة [القشيرية] ص19. وفيها: قال الجنيد: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. ثم قال بعد السند عن الجنيد: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال الجنيد: عِلْمُنا هذا مشيَّد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال سري السقطي: التصوف اسم لثلاثة معان: وهو الذي لا يطفئ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلم بباطنِ علمٍ ينقضه عليه ظاهرُ الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى.
وفي شذرات الذهب ج5. ص279 في ترجمة أبي الحسن الشاذلي، ومن كلامه: كل علم تسبق إِليك فيه الخواطر، وتميل النفس وتلتذ به فارم به، وخذ بالكتاب والسنة.
ولغيرهم في هذا الباب عبارات كثيرة، تجدها منثورة في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للإِمام الكلاباذي، وفي الرسالة القشيرية وغيرهما..
وهؤلاء فوق ما اتصفوا به من تهذيب النفس والورع والزهد والعبادة، قد قاموا في عصورهم بالواجب عليهم ؛ من إِرشاد الخلق إِلى الحق، والدعوة إِليه، وصدّهم الناسَ عن التكالب على الدنيا وجمع حطامها من أي وجه كان، والاسترسال في الشهوات والملذات مما يؤدي إِلى الانهماك في المحرمات والغفلة عن الواجبات وما خُلِق الإِنسان له، وتكون نتيجة ذلك انتشار الفوضى، وظهور الفساد، وكثرة البغي والهرج.
فكان هؤلاء بوعظهم وإِرشادهم، والحِكَمِ والحقائق التي تفجرت من ينابيع قلوبهم، هم حراس الأخلاق، والآخذين بيد الأمة إِلى مناهج الحق وسبل الرشاد، والدعاة إِلى السعادة الحقيقية، وهي قيام الإِنسان بجميع ما أُمر به مع عدم نسيانه نصيبَه من الدنيا، فكانوا في جملة السامعين في هذه الأمة والمجيبين لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ منكُمْ أُمَّةٌ يَدعونَ إلى الخيرِ ويأمُرونَ بالمعروفِ وينْهَونَ عنِ المنكرِ وأولئكَ هم المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
فسلفُ الصوفية هم أعلام الملة وسادة الأمة وسراجها الوهاج ونورها الوضاح، وبهم وبأمثالهم من المحدِّثين والفقهاء اهتدت الأمة إِلى الصراط المستقيم، وسلكت المنهاج القويم، وانتظمت أحوال معاشهم، وصلحت أُمور معادهم، وفازوا فوزاً عظيماً.
وإِذا تتبعنا آثار الصوفية وتراجمهم، نجد أن الكثير منهم قد كان للواحد منهم أتباع يعدون بالألوف، كلما انتسب إِليه شخص آخى بينه وبين سابقيه ؛ فتمكنتْ بين أتباعه والمنتسبين إِليه أواصر الأُلفة وروابط المحبة، وتواسوا فيما بينهم، وتواصوا بالحق، وعطف غنيُّهم على فقيرهم، ورحم كبيرُهم صغيرَهم، فأصبحوا بنعمة الله إِخواناً، وصاروا كالجسد الواحد، وكانوا في منتهى الطاعة والانقياد لشيخهم، يقومون لقيامه، ويقعدون لقعوده، ويمتثلون أوامره، ويتبادرون لأدنى إِشاراته.
ومن جليل أعمال الصوفية وآثارهم الحسنة في الأمة الإِسلامية أن الملوك والأمراء متى قصدوا الجهاد، كان الكثير من هؤلاء بإِيعاز، وبغير إِيعاز يُحرِّضون أتباعهم على الخروج إِلى الجهاد. ولعظيم اعتقادهم فيهم، وانقيادهم لهم كانوا يبتدرون إِلى الانتظام في سلك المجاهدين، فيجتمع بذلك عدد عظيم من أطراف ممالكهم، وكثيراً ما كان أولئك يرافقون الجيوش بأنفسهم،ويدافعون ويحرِّضون ؛ فيكون ذلك سبباً للظفر والنصر.
وإِذا تَتبَّعْتَ بطون التاريخ وجدْتَ من ذلك شيئاً كثيراً، على أننا لا ننسى أن مثل هذا العمل قد كان في كثير من المحدِّثين والعلماء العاملين.
ومن آثار الصوفية أنه إِذا حصل اختلاف بين الناس في أمور دنياهم وخصوصاً بين إِخوانهم المنسوبين إِليهم، فإِنهم يرجعون إِلى شيخهم، فيفصل بينهم بما أنزل الله، ويعودون وهم راضون، ويستغنون عن الترافع إِلى الحكام لفصل ما بينهم من الخصومات.
وهذا مما شاهدناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا في أوائل هذا القرن من بعض بقاياهم، بل كان بعض الناس يُنذر أخاه بالشكوى إِلى الشيخ إِن لم ينصفه، فيعود هذا إِلى حظيرة الحق خشية أن يبلغ الشيخ عنه شيئاً، وهو يحرص أن تبقى سمعته لديه طيبة وسيرته حسنة) [الثقافة الإِسلامية للمؤرخ الكبير الأستاذ محمد راغب الطباخ ص302ـ304 ولد 1293هـ وتوفي 1370هـ في حلب].
22ـ أحمد الشرباصي:
قال الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الكاتب الإِسلامي المعروف والمدرِّس في الأزهر الشريف في مجلة الإِصلاح الاجتماعي تحت عنوان: الأخلاق عند الصوفية، بعد أن تحدث عن التصوف وتعريفه واشتقاقه: (وأنا أعتقد أن حقيقة التصوف الكاملة،هي مرتبة الإِحسان الذي حدده رسول الإِسلام محمد عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل حين قال: "الإِحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك" [رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإِيمان عن عمر رضي الله عنه]. ومن هذا تفهم أن كثيراً من أدعياء التصوف لا ينطبق عليهم ذلك القانون الدقيق العميق، فهم عن حقيقته خارجون.
وأساس التصوف في الواقع هو تربية الذوق. والخُلُق الكريم ليس إِلا ذوقاً سليماً، تتغلب به شخصية الإِنسان على شخصية الحيوان في حياة الناس.
وقد اهتم الصوفية أكبر الاهتمام بالأخلاق، بل لقد جعلوا الأخلاق في مناهجهم،هي العماد والسناد،وهي عمود أمرهم كله، بحيث لو رفعتَ كلمة التصوف، ووضعتَ بدلها كلمة الأخلاق لما فارقتَ الحقيقة، ولما جانبتَ الواقع في قليل أو كثير، لأن العمدة في التصوف على مجاهدة النفس وتطهيرها، وتحليتها بكل جمال وكمال، وهذا جماع مكارم الأخلاق.
ولقد كان من مظاهر اهتمام الصوفية بالجوانب الأخلاقية أنهم تبنَّوْا حركة الفتوة ومبادىء الفروسية، ومزجوا بين مبادئهم ومبادىء الفتيان، حتى تكوَّن من ذلك في تاريخ الفتوة فصل مستقل،اتخذ عنوان فتوة الصوفية. ومن هذا أخذ الصوفية مبدأ الإِيثار،وتقديم الغير على النفس، حتى قال القشيري: أصْلُ الفتوة أن يكون العبد أبداً في أمر غيره. وقال ابن أبي بكر الأهوازي: أصل الفتوة ألا ترى لنفسك فضلاً أبداً.
وأخذوا بمبادىء كفِّ الأذى، وبذلِ الندى، وكفِّ الشكوى، وسترِ البلوى، والعفوِ عن العِدا، والسمِّو إِلى العُلا.
وهم يأخذون بالمبدأ الأخلاقي المحمدي: "طُوبى لِمَنْ شغله عيبُه عن عيوب الناس" [رواه الديلمي في الفردوس عن أنس رضي الله عنه]. ولذلك يقول ابن عطاء الله السكندري، وهو ممن جمع بين عمق التفكير وروعة التعبير: تشوُّفُك إِلى ما بطَنَ فيك من العيوب خيرٌ من تشوفك إِلى ما حُجِبَ عنك من الغيوب.
ومن منهاج الصوفية الأخلاقي عملهم بمختلف الوسائل والأسباب على إِماتة المطامع،لتقوى الشخصية الروحية في نفس الإِنسان. ولذا قال أبو بكر الوراق وهو من أعلام القوم: لو قيل للطمع من أبوك ؟ لأجاب: الشك في المقدور. فلو قيل له: فما هي حرفتك ؟ لأجاب: اكتساب الذل، فلو قيل له: فما هي غايتك ؟ لأجاب: الحرمان. وفي هذا المجال يقول ابن عطاء الله السكندري: ما بَسَقَتْ أغصانُ ذلِّ إِلا على بذر طمع.
وقد قَدِمَ الإِمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه البصرة، فدخل جامعها، فوجد القُصَّاص يقصون على الناس، فأقامهم، حتى إِذا جاء إِلى الحسن البصري، وهو سيد الفتيان عند الصوفية، فقال له علي: يا فتى! إِني سائلك عن أمر ؛ فإِن أجبتني أبقيْتُك، وإِلا أقمتك كما أقمت أصحابك ـ وكان قد رأى عليه سَمْتاً وهدياً ـ فقال الحسن: سل ما شئت. فقال علي: ما مِلاكُ الدين ؟ فقال الحسن: الورع. قال: فما فساد الدين ؟ قال: الطمع. قال: اجلس، فمثلك من يتكلم على الناس.
وهمَّ ابن عطاء الله السكندري يوماً بشيء من الطمع، فسمع هاتفاً يقول له: السلامةُ في الدين بترك الطمع في المخلوقين.
وصاحب الطمع لا يشبع أبداً، ألا ترى أن حروفه كلها مجوفة، الطاء والميم والعين ؟!. ولما علَّم الصوفيةُ أتباعَهم القناعة والاستغناء فتحوا أمامهم الباب إِلى الأَنفةِ والعزَّةِ، ومن هنا نراهم يتحدثون كثيراً عن استخفافهم بالبغي والبغاة، وعدم اكتراثهم بالطغيان أو الطغاة، وعدم اغترارهم بالجاه أو أصحاب الجاه.
ومن منهاج الصوفية الأخلاقي الدعوة إِلى التضحية والجهاد، والتحريض على استجابة داعي الكفاح والاستشهاد.
ومن منهاجهم الأخلاقي تعليمُ الصبر والمبالغة فيه، وكِدْتُ أقول والإِسراف فيه، فلقد دخل ذو النون على أخ له صوفي مريض، واشتد الداء به فأنَّ أنَّةً، فقال له ذو النون: ليس بصادق في حبه من لم يصبر على ضربه. فقال المريض كالمستدركِ: بل ليس بصادق في حبه من لم يتلذذ بضربه..
ومن منهاجهم الأخلاقي التنشئةُ على المراقبة لله، حتى يرث العبد من وراء هذه المراقبة صلة بالله وقرباً منه. ومن لطائفهم في التربية الأخلاقية، أنهم يطالبون إِخوانهم باليسر والسهولة والمطاوعة في الصداقة، حتى لا تكون هناك كُلفةٌ، وما دام الصوفي قد وثق بأخيه ديناً وخُلُقاً وتصرفاً ؛ فلا محل لاعتراضه عليه في شيء. ويتصل بهذا تنفيرُهم من الاغترار بالطاعة، وإِبعادُهم عن اليأس من المغفرة
ومن منهاجهم الأخلاقي تعليمُ الثبات والرزانة وعدم الاستجابة لدواعي الاستخفاف) [مجلة الإِصلاح الاجتماعي ص4].
[/